المقدمة
عمالة الأطفال هي ظاهرة خطيرة تنتشر في العديد من دول العالم، خاصة في المناطق التي تعاني من الفقر اوعدم الاستقرار السياسي او النزاعات المسلحة، وتؤثر سلبًا على صحة وسلامة الأطفال النفسية والجسدية.
في محافظة الحسكة، تعتبر هذه الظاهرة مشكلة متفاقمة نتيجة للعديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية.
حددت منظمة الامم المتحدة يوم 12 حزيران /يونيو ، من كل عام اليوم العالمي لمكافحة عمالة الاطفال و فيه تقام فعاليات و مهرجانات حول العالم بمشاركة الحكومات و منظمات المجتمع المدني ، للتنبيه إلى ضرورة مكافحة الظاهرة و التأكيد على استراتيجيات العمل للقضاء عليها .
اليونسكو تقول إن عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس ارتفع بمقدار 6 ملايين منذ عام 2021.
أظهر التقرير الأخير لمنظمة أنقذوا الطفولة أن عمالة الأطفال لا تزال مستوطنة عالمياً، وفي ظل تعقيد الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في سوريا فإن عمالة الأطفال لا تزال ظاهرة عصيّة رغم الجهود المستمرة لمواجهتها.
تعريف عمالة الأطفال
عمالة الأطفال هي توظيف الأطفال في أعمال تشكل خطرًا على صحتهم الجسدية أو النفسية، وتعيق تعليمهم، وتؤثر سلبًا على تطورهم العام. تشمل هذه الأعمال العمل في المحلات والورش، جمع المعادن من النفايات، والعمل في المطاعم والمخابز.
ويمكن القول أنه العمل الذي يضع أعباءً ثقيلة على الطفل مما يهدد سلامته و صحته و رفاهيته مع عدم قدرته على الدفاع عن حقوقه ، العمل الذي يستغل عمل الاطفال كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار (مثال على ذلك غالبية الورش و المحلات في المدن اصبحت تستقطب الاطفال في مجالات: الصناعة والمطاعم والعتالة بحمل وتنزيل البضائع للمحلات مع النساء، وذلك بسبب نقص العمالة نتيجة هجرة الشباب بشكل كبير جداً مما اضطر الاطفال لمساعدة اسرهم و خاصة الايتام الذين فقدوا معيلهم بعد غياب الوالد).
عمالة الأطفال في محافظة الحسكة: قصص من الواقع
عمالة الأطفال في محافظة الحسكة ليست مجرد أرقام وإحصاءات، بل هي قصص حية تعكس واقعًا مؤلمًا يعاني منه الكثير من الأطفال. في هذا التقرير، نستعرض شهادات حية لأطفال وأسرهم، لنفهم حجم المشكلة وتأثيرها على حياتهم ومستقبلهم، كما استمعنا لأجوبة قدمها لنا أصحاب العمل ممن يعمل لديهم قاصرون.
س . م: العمل بدلاً من المدرسة
في مدينة الحسكة، نجد ( س .م ) ، الطفل البالغ من العمر 15 عامًا، يعمل في محل كهرباء السيارات. ( س ) نزح مع أسرته من رأس العين بسبب النزاع الدائر، ووجد نفسه مضطرًا لترك المدرسة والالتحاق بسوق العمل. يقول (س ): “بسبب الوضع المعيشي المتردي وغلاء الاسعار وبعد النزوح وفقدان كل ممتلكاتنا في مدينة رأس العين اضطررت لترك المدرسة والعمل من أجل مساعدة أهلي في المصاريف اليومية وآجار البيت والكهرباء و شراء الماء”
و عند سؤاله عن عدد ساعات العمل ، قال: أنه ياتي من الساعة 9 صباحاً إلى المحل وحتى الساعة 5 عصراً وأحياناً الى 6 او 7 مساءً حسب العمل الذي يتطلب منه.
وعن راتبه الذي يتقاضاه، قال: آخذ بالشهر راتب 200 ألف ليرة سورية بما يعادل تقرير13 دولارا وهذا الراتب لا يكفي لمصروف عدة أيام ولكني مجبر على العمل ويمكن أن اتعلم المهنة، و ختم قائلاً: إن التعليم في مدارس الادارة الذاتية ليس لها مستقبل بسبب عدم الاعتراف بها وان الذهاب الى مدارس النظام في المربع الأمني أصبح صعباً جداً بسبب قلة عدد المدارس وحشر أكثر من 120 طالباً في شعبة واحدة ولا يوجد اهتمام من قبل المعلمين والمدرسين بالدراسة، ما عدا التكاليف الباهظة.
و قمنا بسؤال صاحب المحل الذي يعمل لديه طفلان و ثلاث شباب بالغين ومن بينهم ( س . م ) ذو 15 عاما.
هل الراتب الذي تعطيه للاطفال كاف، قال: لا أستطيع ان أعطيهم أكثر من ذلك بسبب الضرائب التي ندفعها والرسوم وآجار المحل والكهرباء وأجور العمال.
و عند سؤاله عن العمال الذين يعملون عنده، هل قمت بتسجيلهم لدى التأمينات قال: لا، وأنه لا يمكن تسجيلهم لانه سوف يقوم بدفع الضرائب الشهرية بدلاً عنهم هذه المبالغ كبيرة، وعند حصول أي ضرر بالعامل أثناء العمل، فأن التأمينات لا تعطيهم شيئاً من حقوقهم وذلك بناء على قانون التأمينات كونه قانون معقد ويبقى حق العامل مؤجلاً حيث لا يعترفون بكل الأضرار، ويقومون بتكليف لجنة لكي تأتي وتحقق بالموضوع ويطلبون الرشاوي ليتلفوا الملف.
وعند سؤاله عن الاجازات للعمال قال : أن يوم الاحد هو عطلة، أما بقية الايام فدوام وأي عامل يأخذ اجازة نقوم بخصمها من راتبه.
( ج ): طفولة مسلوبة بين العمل والأسرة
في أحد مطاعم المدينة، نجد ( ج )، الطفل ذو الثلاثة عشر عامًا، يعمل من الساعة الثامنة صباحًا حتى الثامنة مساءً لتأمين لقمة العيش لأسرته. جمعة نزح مع أسرته من تل تمر إلى الحسكة، ويعمل الآن لتأمين احتياجاتهم الأساسية. يقول جمعة: “الراتب قليل والأسعار غالية والمنزل آجاره 500 ألف ليرة سورية”ما يعادل ( 32،8 ) دولار، وأضاف: “نحن أربعة أشخاص في المنزل الأم معاقة جسدياً والأب كبير بالعمر إضافة لأختي ولا أستطيع الذهاب إلى المدرسة لأنه ليس لدى أهلي معيل غيري والإجازات قليلة والراتب 160 ألف ليرة سورية شهريا ما يعادل ( 10،40 ) دولار و لا يكفينا”. واشتكى ( ج ) من عدم وجود عدالة لدى صاحب المطعم بسبب فقدان التوازن بين العمل والأجر، قائلاً: “أغسل المراحيض والأرضيات وأجلي عدة المطبخ و لايوجد أي ضمان وليس هنالك تسجيل في الدوائر الرسمية”.
ن: الفتاة الصغيرة في مواجهة الحياة
( ن )، الطفلة البالغة من العمر 10 سنوات، تقف على ناصية الطريق تبيع البسكويت للمارة. بعد وفاة والدها، أصبحت (ن ) وأشقاؤها الصغار مسؤولين عن تأمين دخل للأسرة. تقول نسرين: “أعمل من السابعة صباحًا حتى التاسعة مساءً لأساعد في تأمين المصروف اليومي”. تعاني (ن ) من التعب والإجهاد، لكنها مضطرة للعمل لمساعدة أسرتها المكونة من 6 أشخاص أم وأخ وأخت وزوجة أب وابنها.
تقول ( ن ): “أبي متوفي وليس لدينا أحد يساعدنا في المصروف، أريد أن أذهب الى المدرسة ولكنني لا أستطيع لأنه ليس لدينا معيل آخر غيري وأخوتي صغار جداً فأخي عمره 6 سنوات وأختي عمرها 4 سنوات واخي من زوجة أبي عمره سنتين، والأسعار غالية جداً ولايوجد دخل ثابت وواردي اليومي يتراوح تقريباً بين 5 آلاف و 10 آلاف ليرة ما يعادل شهريا بين 150 ألف و 300 ألف ليرة سورية ما يعادل 10 دولارات و 19،5 دولار . أنا أتعب كثيراً وأتعرض أحياناً للإساءات”.
معاناة ( أ )
قال (أ ) ، البالغ من العمر 14 عامًا: “أعمل في مجال ميكانيك السيارات من الساعة 9 صباحًا حتى 11 مساءً. نحن ثلاثة أشخاص في المنزل: أنا وأبي وأمي، وهما كبيران في السن. نحن نازحون من الرقة ونعيش في منزل بإيجار 700 ألف ليرة سورية ما يعادل 45،5 دولار.
العمل متعب وشاق جدًا، وغالبًا ما أتعرض للإصابات وسوء معاملة صاحب العمل الذي يوجه لي كلمات سيئة. راتبي الشهري قليل جدًا، حوالي 300 آلاف ليرة سورية ما يعادل 19،5 دولار ، وبعد خصم تكاليف المواصلات، لا يكفي لتغطية مصاريف المنزل والأدوية. الأسعار مرتفعة جدًا، والعطل محدودة ليوم واحد فقط في الأسبوع. أضطر لحمل أوزان ثقيلة وليس لدينا أية ضمانات”.
( أ . ق ) يرسل ابنه الوحيد للعمل بدلاً من الدراسة
قال ( أ .ق ) ، رب أسرة نازح من دير الزور ومصاب جراء الحرب، والذي يقيم حاليًا في القامشلي: “مع انهيار الوضع الاقتصادي في البلاد وتراجع مستوى الدخل، ارتفعت نسبة البطالة إلى مستويات قياسية بعدما هوت العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها منذ بداية الأزمة، حيث بلغت عتبة 15000 ليرة، أي بزيادة تجاوزت 325% منذ بداية الحرب الأهلية.
ونتيجة لذلك، لم تعد الأسر قادرة على تلبية احتياجاتها اليومية، ولم يعد بإمكان رب الأسرة توفير الغذاء لأطفاله. والأسوأ من ذلك، العديد من الأسر التي فقدت معيلها اضطرت لإرسال أطفالها للعمل بدلاً من الدراسة. يعمل الأطفال لساعات طويلة تصل إلى 12 ساعة يومياً، ويتفاوت الأجر حسب نوع العمل وصعوبته، حيث يتراوح بين 20000 إلى 50000 ليرة شهريا .ما يعادل 13 الى 32،5 دولار .
يعمل الأطفال في محلات السوق وصيانة السيارات، مما يعرضهم لمخاطر عديدة، بالإضافة إلى أعمال التحميل والتنزيل (العتالة) التي تتطلب جهداً بدنياً كبيراً، مع تجاهل المخاطر والنتائج الصحية السلبية المحتملة. كما يعملون على البسطات والبيع الجوال وعلى العربات.
وليس الأطفال فقط، بل النساء وكبار السن أيضاً ينخرطون في سوق العمل نتيجة لاستمرار هجرة الشباب. في الأسواق، معظم اليد العاملة تتألف من النساء والأطفال. نجدهم في محلات بيع الدجاج بالجملة، في التحميل والتنزيل، في المخابز والمطاعم، وحتى في الكافتيريات. وفي جميع الأحوال، يكون صاحب العمل متمتعاً بسلطة كبيرة، مهدداً إياهم بالاستبدال في حال لم يرضى بأدائهم.
ويضيف ( أ ): “أنا أبلغ من العمر 43 سنة، وأب لطفل وفتاتين. كنت أعمل في مجال التمديدات الكهربائية، ولكن أصبت بشظية في عيني واحتجت لعدة عمليات في دمشق. لم أكن أملك المال الكافي، فأصبحت مديناً لعدة أشخاص ساعدوني، وما زلت أتناول الأدوية حتى أشفى تماماً. في الوقت الحالي، لا أستطيع العمل، ولذلك يعمل ولدي الوحيد في فرن قريب براتب 30000 ليرة شهريا ما يعادل 19،5 دولار ، مما اضطره لترك تعليمه رغماً عنه”.
الحاجة تدفع ( ج . س ) لإرسال ابنه للعمل
قال ( ج . س )، نازح من رأس العين ويقيم حالياً في عامودا: “أبلغ من العمر 45 عاماً وأعمل في وظيفة إدارية براتب لا يتجاوز مليون ليرة ما يعادل 65 دولار ، وأنا أب لثلاث بنات وولدين. بعد نزوحنا من رأس العين، فقدت أرضي الزراعية التي كانت المصدر الأساسي لدخلي، كما فقدت منزلي.
نتيجة لذلك، اضطررت لإخراج ابني البالغ من العمر 16 عاماً من المدرسة ليعمل في محل لصيانة السيارات، كي يساعدني في تأمين حاجيات البيت والأسرة.”
( ع ): أب يكافح لإعالة أسرته
( ع )، نازح من رأس العين، يتحدث عن معاناته اليومية.
( ع )، 45 عامًا، يعيش مع أسرته المكونة من زوجته البالغة من العمر 43 عامًا، وأربعة أطفال: ولد يبلغ من العمر 16 عامًا، فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا، ولد يبلغ من العمر 11 عامًا، وفتاة تبلغ من العمر 8 سنوات.
يقول ( ع ): “كنت أعمل سابقًا في الزراعة وأملك أرضًا كبيرة مع بئر أسقي منها الأرض وأعيش منها. ولكن الآن أعمل في وظيفة إدارية بدوام 6 ساعات، وأتقاضى حوالي مليون ليرة شهريًا.ما يعادل 65 دولار للأسف، هذا الراتب لا يكفي حتى ربع احتياجات أسرتي. تدهورت أحوالنا كثيرًا وتزداد سوءًا يوما بعد يوم، ولا بصيص أمل يلوح في الأفق”.
ويتابع ( ع ) حديثه قائلاً: “حتى فترة ليست ببعيدة، كنا نحاول أن نقتصد في كل شيء. استبدلنا اللحوم الحمراء بلحم الفروج، ثم لم نعد قادرين على شراءه كاملاً فلجأنا إلى شراء قطع منه. كما استبدلنا الأرز بالبرغل حتى في بعض الأطعمة التي لا تصح بدون الأرز كالملفوف. لجأنا إلى أرخص الخضار لطبخها، وخاصة في موسمها. قضينا صيفنا نطبخ البندورة والباذنجان، وشتاؤنا في طبخ القرنبيط وحساء العدس والبصل”.
وأضاف: “أما بالنسبة للمنظفات، فلجأنا إلى المتاجر التي تبيع المنتجات المحلية الصنع والرديئة ولكنها رخيصة وتباع بالكيلو. وبالنسبة للملابس، فمتاجر البالة كانت مقصدنا. خفضنا النفقات إلى أقصى حد ممكن. حتى في الطبابة، لم نعد نتعالج إلا في الحالات الحرجة. ورغم كل ذلك، لم يعد بإمكاننا الاستمرار أكثر، فالحمل فاق الاحتمال بكثير. لذلك اضطررت لإخراج ولدي من المدرسة التي لا فائدة من الاستمرار فيها، في ظل تدهور التعليم وعدم وضوح مستقبل أصحاب الشهادات، لكي يعمل ويساعدني”.
وعن عمل ابنه، يقول ( ع ): “فكرت كثيرًا، ورأيت أخيرًا أنه لو تعلم مهنة ما ستمكنه من كسب لقمة عيشه. مع كثرة السيارات، رأيت أن يعمل في ورشة لصيانة السيارات فهي هذه الأيام تدر ذهبًا. عمره 16 عامًا وشهرين، ويعمل حوالي 10 ساعات يوميًا. يتقاضى 800 ألف ليرة شهريا ما يعادل 52 دولار وبعض الإكراميات من بعض الزبائن الذين يصفهم ابني بـ(الدسمين)”.
ويتابع ( ع ): “معاملة صاحب العمل مع ابني لا بأس بها، حسب ما يقوله ولدي، ولكنني أشك في ذلك. ما يواسيني هو أنه سيخرج يومًا ما ‘معلمًا’ وسيصبح قادرًا على فتح محل خاص به. أما الآن، فنحن مجبرون على ما نحن فيه٠.
وأضاف: “لدينا فقط ولد واحد يعمل، ولكنني أفكر في إرسال ولدي الآخر إلى بقالة ليعمل فيها. لم يعد للتعليم في بلادنا مستقبل، فأصحاب الشهادات الموظفون هم أدنى المجتمع راتبًا. التعليم أصبح رفاهية مقتصرة على الميسورين. يبلغ ولدي الآخر 11 عامًا، وبقية الأطفال يذهبون إلى المدرسة وهم مجتهدون”.
وختم ( ع ) قائلاً: “نحن نازحون من رأس العين ومستأجرون. أدفع 25 دولاراً شهرياً كإيجار، أي أكثر من ثلث راتبي. كيف سأدير أموري بما تبقى؟”
( ع . أ ) مثال آخر عن أب يرسل ابنه القاصر للعمل
قال ( ع . أ )، رب أسرة يبلغ من العمر 40 عامًا، حول معاناته اليومية:
“أنا ( ع )، أبلغ من العمر 40 عامًا. أعيش مع زوجتي التي تبلغ من العمر 37 عامًا وأربعة أطفال: ولد يبلغ من العمر 15 عامًا، فتاة تبلغ من العمر 11 عامًا، ولد يبلغ من العمر 8 سنوات، وفتاة تبلغ من العمر 5 سنوات. أعمل ككهربائي موظف لدى الحكومة السورية، وكذلك كنت أعمل في تمديد وتجهيز شبكات الكهرباء المنزلية، لكن لم يعد بمقدوري العمل في هذا المجال بعد أن أصابني المرض في عيني. الآن أداوم في وظيفتي ثلاث أيام في الأسبوع.
أتقاضى 400 ألف ليرة سورية شهريًا ما يعادل 26 دولار شهريا ، وهو مبلغ لا يكفي لإعالة أسرتي. سابقًا كان لدي عمل إضافي إلى جانب وظيفتي، أما الآن بعد تدهور صحتي، فلم يعد لدي سوى الراتب، ولا يكفي لأكثر من ثلاثة أيام.
لإدارة أمورنا، أصبحنا نعتمد بشكل كبير على الخضروات، فلم نتناول اللحم منذ ثلاثة أشهر. نشتري الخضروات الرديئة وبقايا السلة لأنها الأرخص، ولا نستطيع شراء الخضروات الجيدة بسبب ارتفاع الأسعار.
ولدي البالغ من العمر 15 عامًا يعمل في فرن قريب من منزلنا. بفضل هذا العمل، نحصل على خبزنا الطازج، وراتبه يصل إلى 600 ألف ليرة شهريًا ما يعادل 39 دولار شهريا . رغم أنها ليست مبلغًا كبيرًا ولا تغطي جميع نفقاتنا، إلا أنها أفضل من العدم. لذلك اضطررنا لإرساله للعمل بدلاً من المدرسة بسبب الحاجة في هذا الزمن الصعب.
يعمل ولدي حوالي 6 ساعات يوميًا، وفي هذا الشهر الفضيل يمتد دوامه إلى المساء لأن الكثير من الناس يشترون الخبز الساخن لتناوله مع عائلاتهم على الإفطار. معاملة صاحب العمل لولدي جيدة، فنحن نرتبط بصلة قرابة ومعرفة، ولذلك يعتني به.
في أسرتي، فقط هذا الولد يعمل، ولو لم تتدهور صحتي لما كنت سأسمح له بذلك ولتركته يهجر مدرسته. لدي ولد آخر يبلغ من العمر 8 سنوات، وبقية الأطفال يذهبون إلى المدرسة.
أنا مقيم، ولست نازحًا. أسكن في منزل يعود لأهل زوجتي الذين يعيشون في تركيا، ونحن نسكنه بالمجان.”
مثال آخر
( أ . ع )، رب الأسرة البالغ من العمر 50 عامًا، يواجه تحديات كبيرة في إدارة أمور أسرته. تتألف أسرته من زوجته، التي تبلغ 45 عامًا، وأربعة أبناء: الابن الأكبر البالغ 14 عامًا، والابن الثاني البالغ 12 عامًا، وابنته البالغة 8 سنوات، وأصغرهم الذي يبلغ 5 سنوات. نظرًا لمرضه بالقلب، فقد نصحه الطبيب بعدم العمل أو القيام بالأعمال الشاقة، لذا يلتزم ( أ ) بالبقاء في المنزل.
لتلبية احتياجات الأسرة، يرسل ابن ( أ ) المغترب في ألمانيا مبلغًا قدره 100 يورو شهريًا، إلا أن هذا المبلغ لا يكفي بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار. في ظل هذه الظروف الصعبة، قررت زوجته وأبناؤه أن العلم لم يعد مفيدًا في وضعهم الحالي، لذا ترك ابنه المدرسة والتحق بالعمل في سوق الهال، بينما يعمل ابن آخر في ورشة لتحميل وتنزيل المواد الغذائية. الابن الذي يعمل في سوق الهال يعمل حوالي 8 ساعات يوميًا، في حين يبدأ الآخر عمله بعد الساعة 8 مساءً عند دخول الشاحنات الكبيرة للمدينة.
يتعرض أبناؤه لمعاملات صعبة، خاصة الابن الذي يعمل في ورشة التحميل والتنزيل، حيث يقتسم صاحب العمل الأجرة اليومية معهم بحجة أنه يؤمن لهم العمل. حاليًا، يعمل اثنان من أبنائه القاصرين، في حين يواصل بقية الأطفال الذهاب إلى المدرسة، لكن بدون ملابس مدرسية بسبب عدم القدرة على شرائها.
( أ ) وعائلته نازحون من حمص ويعيشون في منزل مستأجر بإيجار قدره مليون و200 ألف ليرة سورية ما يعادل 78 دولار .
( ع ن ) يتحدث بإسهاب عن المشكلة:
قال ( ع . ن ) من الهول: “تعتبر ناحية الهول، الواقعة في الجزء الشرقي من محافظة الحسكة بالقرب من الحدود العراقية، واحدة من أبرز مناطق الصراع المستمر في سوريا منذ سنوات. تأثرت الناحية بشكل كبير على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. بعد خروجها من عهد النظام السابق وتهميشه المتعمد للسكان، دخلت الناحية في عهد الفصائلية والفلتان الأمني وتعدد المشارب الفكرية، مما أدى إلى دخولها في نفق إرهاب تنظيم داعش الذي لعب دوراً كبيراً في تشتيت عقول الشباب والأطفال.
ومع دخول قوات سوريا الديمقراطية إلى البلدة ومحاولتها خلق منظومة تعليمية جديدة لرأب الصدع أو تسييس التعليم بطرق مختلفة، ظهرت محاولات لإنشاء نظام تعليمي جديد يهدف إلى تحسين القدرة على القراءة والكتابة، لكنه لم يحقق نجاحاً كبيراً من حيث الفائدة المستقبلية.
ومع ذلك، يبقى الهاجس المعيشي هو السائد، حيث أدى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية وتدني الأجور إلى صعوبة العيش وتحمل تكاليف التعليم، مما دفع العديد من الأسر إلى إخراج أبنائهم من المدارس ليعملوا مقابل أجر زهيد. أصبح التعليم ثانوياً وغير مهم بالنسبة لغالبية الأسر، وذلك لأسباب متعددة منها:
- تهميش التعليم من قبل الفصائل التي حكمت سابقاً.
- عسكرة الفكر لدى الجيل الناشئ الذي يرى التعليم والثقافة أمراً غير مهم مقارنة بالسلطة والسلاح.
- عدم وجود نماذج ناجحة للخريجين قبل الأزمة.
- انتشار الأفكار الظلامية وازدراء العلم.
- عدم توافق النظام التعليمي الحالي مع أفكار ومعتقدات المجتمع.
- تذكير السلطات بالمسؤوليات الأمنية المتعلقة باستخدام المناهج الحالية.
- جذب كادر تعليمي غير كفوء وغير مختص.
- تدني المستوى المادي للأسر من حيث المرتبات والقدرات المعيشية.
- تفضيل كسب القوت اليومي على التعليم، وتفضيل تعلم حرفة عملية على الثقافة.
- عدم جدوى الشهادات الممنوحة من السلطات الحالية على المدى القريب.
كل هذا أدى إلى فجوة بين العلم والمجتمع، حيث بات المجتمع يزدري التعليم ولا يقتنع إلا بالماديات وطرق كسب القوت. وصلت نسبة التسرب المدرسي إلى أكثر من 70% منذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المنظومة التعليمية، وبلغت نسبة عمالة الأطفال نحو 50%، حيث يعمل الأطفال كأجراء عند أصحاب المهن أو في جني النايلون والمعادن الأخرى من مكبات النفايات والشوارع.
أصبح مكب نفايات مخيم الهول مصدر رزق أساسي للكثيرين في الناحية، حتى تم تخصيص وسائل نقل إلى المكب ومنه. يعمل غالبية الأطفال في ظروف لا تراعي أدنى مستويات السلامة، وتم تسجيل ثلاث حالات وفاة لأطفال أثناء عملية إفراغ النفايات من آليات النقل بعد تهافتهم عليها في محاولة لكسب أي شيء يمكن بيعه لتأمين لقمة العيش.
رأي صاحب عمل
قال ( ن . ح )، صاحب عمل في القامشلي، رداً على سؤال حول تشغيل القاصرين: “الجميع يلومون أصحاب العمل على تشغيل القاصرين، ولكن الحقيقة أن الذنب ليس ذنبنا. كما يعلم الجميع، هناك نقص شديد في اليد العاملة نتيجة الهجرة، لذلك نضطر لتشغيلهم للاستفادة المشتركة. ضع نفسك مكاني عندما يأتيك ولد أو أبوه أو أمه راجيًا أن تجد له عملاً ليساعد في تأمين مصروفه.”
وعن الرواتب المعطاة للقاصرين، يقول ( ن . ح ): “الأمر يتعلق بحجم العمل الذي يقوم به العامل. إذا كان يستطيع القيام بأعمال كبيرة، فيمكنه أن يتقاضى ما يتقاضاه البالغون. هناك قاصرون يعملون في تحميل وتنزيل القاطرات شأنهم شأن الكبار.”
وفيما يتعلق بالإجازات، يوضح ( ح ): “نمنح الإجازات في الحالات الضرورية فقط وهي إجازات غير مأجورة. نحن لسنا مؤسسة أو شركة خاصة.”
وعن ساعات العمل، يقول: “تتراوح ساعات العمل بين 8 إلى 10 ساعات حسب حركة الأسواق.”
وبشأن المهام الشاقة للقاصرين، يؤكد ( ح ): “نعم، نوزع المهام حسب القوة البدنية للعاملين، ولكن البعض لا يفعل ذلك.”
ويضيف: “أما عن نوعية المهام التي يكلف بها العمال القاصرون، فأنا أكلفهم بتنظيف الورشة، تقديم خدمة الشاي للضيوف، فك وتركيب القطع الصغيرة، مساعدتي عند العمل، وكذلك توصيل وجلب الطلبيات الصغيرة.”
وفيما يتعلق بتسجيل العمال في الدوائر الرسمية، يقول ( ح ): “لا يوجد لدينا هكذا دوائر خاصة بهم. وحتى إن وجدت، لا أظن أن أحدًا سيفعل.”
وعن الضمان للعاملين، يختتم ( ح ): “لا يوجد ضمان، ولكن رب العمل أحيانًا يتكفل بالعامل جزئيًا أو كليًا عند حدوث أمر ما، ولكن كما قلت، فهو ليس مجبرًا، وإنما يفعل ذلك من مبدأ إنساني فقط.”
رأي صاحب العمل ( ع . ش) حول توظيف القاصرين:
لماذا تستخدمون القاصرين في أعمالكم؟
انظر إلى حال البلاد والعباد؛ الغلاء مرتفع وفرص العمل محدودة، وحتى اليد العاملة نادرة. أليس من الملحوظ أن معظم العاملين في الوقت الحالي هم من القاصرين والقاصرات والنساء فقط، بينما الشباب قلّ عددهم؟
هل الرواتب التي تُعطى للقاصرين هي نفسها التي تُعطى للبالغين؟
هذا يعتمد على صاحب العمل والاتفاقات التي تتم بينه وبين العاملين لديه، لذا لا توجد تسعيرة موحدة.
هل تقدمون الإجازات المستحقة للعاملين، وخاصة القاصرين؟
لا تُمنح إجازات كما هو الحال في المؤسسات، وهذا يعتمد على التفاهم بين صاحب العمل والعاملين لديه.
ما عدد ساعات العمل؟
ساعات العمل تتراوح بين 6 إلى 12 ساعة، حسب طبيعة العمل ونوع المتجر.
هل يتم مراعاة عدم إعطاء المهام الشاقة للقاصرين؟
بصراحة، لا. العاملون الصغار يعاملون مثل الكبار، وإلا فإنهم قد يُقال لهم إن هناك من هو مستعد للعمل بدلاً منهم إذا لم يكونوا قادرين على الأداء. هناك جانب من الجشع لدى بعض أصحاب العمل، رغم أن هناك من يتسمون بالقلوب الطيبة.
ما نوعية المهام التي يكلف بها القاصرون؟
لا يوجد اختلاف بين مهام الكبار والصغار. نرى الصغار يعملون جنباً إلى جنب مع الكبار في تحميل وتنزيل الشاحنات في الأسواق والمحلات، دون فرق.
هل يتم تسجيل جميع العمال في الدوائر الرسمية؟
لم أسمع بوجود مؤسسة خاصة بهم تضمن حقوقهم، فليس لدينا مثل هذه المرافق.
هل هناك ضمان للعاملين لديكم؟
لا يوجد شيء من هذا القبيل. نحن نوفر لهم فرص عمل فقط، ولسنا جمعية خيرية لنضمن كافة جوانب حياتهم.
رأي صاحب العمل في عامودة، السيد ( ن . ي )
رأيه يعكس بعض التحديات والقرارات المتعلقة بتوظيف القاصرين. يوضح السيد ( ي ) أن توظيف القاصرين يعود إلى الرغبة في تحقيق الأرباح وتلبية الاحتياجات، حيث أصبح المتاح في البلاد هم الكهول والنساء والقاصرون.
فيما يخص الرواتب، فإنها تعتمد على الاتفاق والتراضي بين صاحب العمل والعامل، حيث لا توجد تسعيرة محددة. كما لا تُمنح إجازات للعمال، بما في ذلك القاصرين، حيث يعتمد العمل على نظام يومي، مما يعني أن الأجر يُخصم في الأيام التي لا يعمل فيها الشخص. تتراوح ساعات العمل بين 6 و12 ساعة حسب طبيعة العمل.
بالنسبة للمهام الشاقة، فإن الأمر يتوقف على ضمير صاحب العمل، حيث لا توجد سياسة موحدة. أما نوعية المهام، فتكون متنوعة وغير محددة، فكل عمل يُعتبر مناسبًا مهما كان نوعه.
لا يتم تسجيل العمال في الدوائر الرسمية، حيث لا توجد عقود عمل رسمية، بل يتم التعامل بالعقود اللفظية فقط. كما لا يوفر صاحب العمل أي ضمانات للعاملين، ولا يوجد أي نوع من الضمانات أو التأمينات.
أسباب عمالة الأطفال في محافظة الحسكة
يمكن تحديد أسباب تفشي ظاهرة عمالة الأطفال في المحافظة وفق التالي:
1. **الأسباب الاقتصادية**: يعد الفقر والعوز من أهم العوامل التي تدفع الأطفال إلى العمل. العديد من الأسر تعتمد على دخل الأطفال لتلبية احتياجاتها الأساسية.
2. **الأسباب التعليمية**: النزوح، الفقر، واختلاف اللغة تسبب في ترك العديد من الأطفال للمدارس. الأطفال العرب والكرد يعانون من صعوبة في الحصول على تعليم مناسب نتيجة للاعتراف المحدود بالمدارس المحلية.
3. **العوامل الأمنية **: الوضع الأمني وغياب الأمان إضافة للواقع العسكري المتغير نتيجة تبدل القوى المسيطرة على بعض المناطق أدى إلى نزوح الاهالي و إلى انعدام الاستقرار، وانتشار الفقر مما يزيد من الاعتماد على عمل الأطفال.
التأثيرات الطبية على الأطفال
يقول الدكتور حسن نيرباني وهو طبيب أطفال مقيم في تركيا:
عمالة الأطفال يمكن أن يكون لها تأثيرات صحية سلبية كبيرة على المدى البعيد. من هذه التأثيرات:
مشاكل جسدية: الأعمال الشاقة يمكن أن تؤدي إلى إصابات دائمة في الجهاز العضلي الهيكلي. الأطفال قد يعانون من مشاكل في النمو، اضطرابات في الهيكل العظمي، وإجهاد مزمن.
مشاكل نفسية: الأطفال العاملون قد يواجهون ضغوطاً نفسية كبيرة، مما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق، الاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة.
مشاكل صحية طويلة الأمد: التعرض لمواد كيميائية ضارة، بيئات غير صحية، وعدم توفر الرعاية الطبية قد يؤدي إلى مشاكل صحية مزمنة مثل أمراض الجهاز التنفسي، أمراض الجلد، وأمراض الجهاز الهضمي.
التأثير على التعليم: العمل قد يحرم الأطفال من التعليم الجيد، مما يؤثر على تطورهم العقلي والمعرفي ويحد من فرصهم المستقبلية.
سوء التغذية: غالباً ما يفتقر الأطفال العاملون إلى التغذية الجيدة، مما يؤثر على نموهم وتطورهم الصحي.
هذه التأثيرات مجتمعة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة والصحة العامة للأطفال العاملين على المدى الطويل.
أما الدكتور أحمد رشيد رئيس قسم الجراحة العظمية في المشفى الألماني في دبي فقال حول هذا الأمر:
*تاثير الأعمال الشاقة على نمو الجهاز الحركي عند الاطفال:إن الأعمال الشاقة بالتاكيد ستؤثر سلباً على النمو و خاصة الجهاز الحركي الذي يتألف من العظام و العضلات و الأوتار و المفاصل …الخ ، رفع الأثقال اكثر من المطلوب مثلاً عند الأطفال بؤدي إلى ضغط غير مباشر على العمود الفقري و بالتالي يؤدي إلى التقوس في العمود الفقري الرقبي و الصدري و القطني، و كذلك يعتبر سبباً غير مباشر في نقص نمو العظام و بالتالي إلى القصر الدائم عند الأطفال الذين يقومون بالأعمال الشاقة الثقيلة.
* العمل الشاق يؤدي إلى قطع و تمزق الأربطة عند الأطفال حيث الأربطة غضة عندهم و بالتالي عدم نمو العضلات المرتبطة بالأوتار مما يؤدي إلى تشوهات عضلية و عدم تمكن العضلات من تنفيذ الوظيفة الفيزيولوجية الحركية.
و كذلك المفاصل الكبيرة التي تحتاج إلى فترة ليست قصيرة للوصول لتكوينها النهائي فعندما تتعرض إلى ضغط اكثر من المطلوب تتعرض إلى تشوه مباشر و خروج المفصل من مساره الطبيعي و بالتالي عدم قدرة الطفل على الثبات و المشي النظامي
عدا ذلك هناك الكثير من الحوادث اثناء عمالة الأطفال منها الكسور في العظام و الجروح هذه تترك تشوهات محتملة.
آثار عمالة الأطفال
اصبحت هذه الظاهرة من أخطر الظواهر على الأطفال خصوصاً و المجتمع عموماً حيث أن أغلب الاطفال دون السن القانوني يعملون في الورشات لتصليح السيارات و المركبات و المطاعم و تكنيس المحلات و جمع المعادن من حاويات القمامة لبيعها ، و منهم من يقوم بعمليات العتالة و ذلك في تنزيل الحمولات الثقيلة مع النساء ، و ذلك بسبب تهجير غالبية العظمى من الشباب الى الخارج .
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى موضوع الالتحاق بصفوف الشبيبة الثورية لقوات الحماية الشعبية أو ما تسمى (( جواني شورشكر )) إذ يتم استغلال الأطفال لجذبهم رغم عدم قدرتهم على اتخاذ القرارات المصيرية والهامة، أو القيام بخطفهم وإرغامهم على الالتحاق بمعسكرات التدريب مما يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الطفل وذويه.
من جانب آخر نلاحظ وجود ذكور وإناث تحت السن القانوني في صفوف قوات سوريا الديمقراطية (( قسد )) وبعضهم يستخدمون أسماء و هويات مزورة لأشخاص خارج البلاد او بالغين متوفين، ليعيلوا أهاليهم في العيش بسبب تردي الاوضاع المعيشيه.
إزاء هذا الواقع المرير يمكن القول بأن ظاهرة عمالة الأطفال تترك تأثيرات سلبية كثيرة نذكر منها
1. **على الأطفال**:
– الحرمان من التعليم المناسب.
– التعرض لمخاطر وإصابات العمل.
– العمل في ظروف قاسية لا تتناسب مع قدرتهم الجسدية والعقلية.
– فقدان الطفولة والشعور بالبراءة.
– انتشار العادات السيئة بينهم مثل السرقة والتدخين والمخدرات.
– الاستغلال من قبل أرباب العمل.
2. **على المجتمع**:
– زيادة نسبة البطالة بين البالغين.
– تفشي الجهل والأمية.
– تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية.
– تأثير سلبي على تطور المجتمع بشكل عام.
ماذا يقول القانون عن عمالة الأطفال؟
أولاً– القوانين الدولية
تشكل عمالة الأطفال انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، ولذلك تناولت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية هذا الموضوع لتوفير حماية شاملة للأطفال في جميع أنحاء العالم. من أبرز هذه الاتفاقيات:
1. **اتفاقية حقوق الطفل (1989)**:
– **المادة 32**: تُلزم الدول الأطراف بحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يعيق تعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي.
– تتطلب الاتفاقية من الدول تحديد الحد الأدنى لسن العمل، وتحديد ساعات العمل وظروفه، وضمان فرض عقوبات مناسبة لضمان تنفيذ هذه التدابير.
2. **اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 (1973)**:
– **المادة 1**: تتعهد الدول الأعضاء بوضع سياسة وطنية تهدف إلى إلغاء عمالة الأطفال وزيادة الحد الأدنى لسن العمل تدريجياً إلى مستوى يتوافق مع النمو البدني والعقلي للأحداث.
– **المادة 2**: تحدد الحد الأدنى لسن العمل بألا يقل عن 15 عامًا، مع السماح باستثناءات محدودة للبلدان التي مواردها التعليمية واقتصادها غير متطورين.
3. **اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 (1999)**:
– تُعرف الاتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال بأنها تشمل جميع أشكال العبودية أو الممارسات الشبيهة بالعبودية، مثل بيع الأطفال والاتجار بهم، والعمل القسري أو الإجباري، واستخدام الأطفال في النزاعات المسلحة.
– تشمل أيضاً استغلال الأطفال في البغاء، أو إنتاج المواد الإباحية، أو الأنشطة غير المشروعة، مثل إنتاج وتهريب المخدرات.
– تحث الاتفاقية الدول على اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لضمان القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال، وتوفير برامج إعادة التأهيل والتعليم للأطفال المتأثرين.
ثانياً– القانون السوري
أفرد المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية في دراسة نشرها بعنوان(حقوق الطفل في سوريا بين الواقع والقانون) قسماً خاصاً بمعالجة القانون السوري لموضوع عمالة الأطفال تضمن مايلي :
“جاء في المادة 113 من قانون العمل السوري الصادر بالمرسوم رقم (17) لعام 2010 ـ يمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة أيهما أكثر, وحظرت المادة 114 من قانون العمل : تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً ، على أن تتخللها ساعة راحة. و لا يجوز تكليف الحدث بساعات عمل إضافية. .
المادة 116 : اشترطت على صاحب العمل عند تشغيل الحدث أن يقدم الوصي أو الولي
قيد مدني: شهادة صحية تثبت مقدرته الصحية على القيام بالعمل الموكل اليه.
المادة 118: يستثنى من تطبيق أحكام هذا الفصل الأحداث اللذين يشتغلون في الصناعات المنزلية التي لا يعمل بها سوى أفراد العائلة، نحت إشراف الأب أو إلام أو العم أو الخال .
– أما قانون العلاقات الزراعية السوري فقد سمح بتشغيل الأطفال .
مع العلم أن الزراعة تعتبر من أكثر قطاعات العمل خطورة على الأطفال بسبب تعرضهم للعوامل المناخية القاسية لساعات طويلة شمس حادة وغبار وتعرضهم للمواد الكيماوية ـ ورفع الأحمال الثقيلة ، وإلى عدم وجود حماية وإسعافات في أماكن العمل.
– النتيجة: أن قانون العمل الصادر في المرسوم رقم (17) لعام 2010 لم يذكر الأعمال الممنوع على الأطفال ممارستها، يتعارض ذلك مع نص المادة 32 من اتفاقية حقوق الطفل.
و الأهم في هذه القضية عدم فرض عقوبات زاجرة، على من ينتهك القانون، من قبل أصحاب العمل، حيث تصت المادة 114، من القانون، على حظر تشغيل الحدث، أكثر من ست ساعات.
كما إن الأطفال الذين يعملون في الورشات العائلية، يفتقرون إلى الحماية القانونية خاصة في هذه الظروف في غياب الأب، يمكن للأقرباء استغلال الأطفال القائمين تحت رعايتهم وغالباً ما يكون عمل الأطفال في هذه الورشات دون أجر. . بشكل الأطفال قوة عاملة ملموسة ومنتشرة في الداخل السوري ونراهم أطفالاً صغاراً يعملون في أسوأ الظروف ولساعات طويلة “تسول بيع خبز وأزهار، تلميع أحذية تنظيف سيارات” وفي أعمال قاسية مثال: نقل أحمال على ظهورهم ،وجر عربات و نراهم في ورشات تعدين يعملون عشر ساعات.”
الخاتمة والتوصيات
عمالة الأطفال في محافظة الحسكة ليست مشكلة محلية فقط، بل هي جزء من تحدي عالمي يتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية لحلها. من خلال تفعيل القوانين الحالية، وزيادة الوعي المجتمعي، وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، يمكننا حماية الأطفال وضمان مستقبل أفضل لهم. يجب على الحكومات ومنظمات المجتمع المدني العمل معًا لتطبيق القوانين بفعالية وتوفير بيئة آمنة وصحية للأطفال تضمن لهم حقهم في التعليم والحياة الكريمة.
وبناء عليه وعلى ما ورد في التقرير أعلاه يمكننا استخلاص عدة توصيات لمواجهة هذه الظاهرة ومعالجة آثارها:
1. **تعزيز الدعم الاقتصادي للأسر المتضررة**:
– تقديم مساعدات مالية للأسر التي تعتمد على أطفالها كمصدر دخل رئيسي، مما يخفف من حاجتها لدفع أطفالها للعمل.
– تحسين الأجور للعمال البالغين لتمكينهم من إعالة أسرهم دون الحاجة إلى تشغيل أطفالهم.
2. **توفير فرص تعليم بديلة وجذابة**:
– توفير برامج تعليمية مرنة تتناسب مع جدول عمل الأطفال وتقديم حوافز للأسر لإعادة أطفالهم إلى المدارس.
– تحسين جودة التعليم في المدارس المحلية لزيادة جاذبيتها وإقناع الأسر بأن التعليم هو استثمار في مستقبل أطفالهم.
3. **تعزيز الرقابة على تشغيل الأطفال**:
– تشديد الرقابة على أرباب العمل الذين يستغلون الأطفال، وفرض عقوبات صارمة على تشغيل القاصرين في أعمال خطرة أو شاقة.
– تعزيز دور الجهات المعنية في تسجيل العمالة وضمان حقوق الأطفال العاملين، بما في ذلك تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية.
4. **تقديم برامج تأهيل نفسي واجتماعي للأطفال العاملين**:
– توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة أو العمل الشاق، بهدف إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.
– تنظيم برامج توعية مجتمعية حول مخاطر عمالة الأطفال وتأثيراتها السلبية على المجتمع على المدى الطويل.
5. **التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية**:
– تعزيز التعاون بين القوى المسيطرة والمنظمات الدولية والمحلية لمكافحة ظاهرة عمالة الأطفال، وضمان تنفيذ البرامج المخصصة لدعم الأطفال وأسرهم.
– تنفيذ حملات توعية مستمرة على المستوى الوطني لتغيير النظرة المجتمعية نحو عمالة الأطفال وزيادة الوعي بأهمية التعليم.
6. **تحسين البنية التحتية التعليمية والصحية**:
– العمل على تطوير البنية التحتية للمدارس والمرافق التعليمية لزيادة القدرة الاستيعابية وتحسين ظروف التعلم.
– تقديم خدمات صحية مجانية أو منخفضة التكلفة للأطفال العاملين لضمان سلامتهم الجسدية والنفسية.
باتباع هذه التوصيات، يمكن تقليل ظاهرة عمالة الأطفال وتحسين مستقبل هؤلاء الأطفال، وضمان حصولهم على حقوقهم الأساسية في التعليم والحماية.